
سمير بوزيد يكتب : تعزيز الفعلية و الالتزام السياسي بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية بالمغرب
يشكل النقاش الحقوقي المغربي اليوم محطة حاسمة في مسار تعزيز حقوق الإنسان، لا سيما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، التي تمثل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. في هذا السياق، يبرز مركز عدالة لحقوق الإنسان كمنصة فاعلة تدعو إلى تعزيز الفعلية والالتزام السياسي بهذه الحقوق، عبر إصلاحات تشريعية وتنفيذية شاملة تضمن ترجمتها إلى واقع ملموس.
على الرغم من التطورات الدستورية والقانونية التي شهدها المغرب، خاصة بعد دستور 2011 الذي أكد على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلا أن الواقع المعيشي للمواطنين يعكس فجوة واضحة بين النصوص القانونية والتطبيق العملي. فالفصل 31 من الدستور، الذي كان ينص سابقا على التزام الدولة بتحقيق هذه الحقوق، تم تعديله ليصبح مجرد التزام ببذل العناية، مما يضعف من قوة الضمان القانوني لهذه الحقوق (المملكة المغربية – دستور المملكة المغربية – الرباط – وزارة العدل المغربية – 2011 – الفصل 31)[1]. هذه الفجوة تتجلى في العديد من المجالات الحيوية، مثل الحق في السكن اللائق، التعليم، الصحة، والضمان الاجتماعي، حيث لا تزال العديد من الفئات تعاني من التهميش والحرمان، مما يستدعي تدخلًا سياسيًا جادًا لإعادة الاعتبار لهذه الحقوق.
وفقا لتقرير مركز عدالة لحقوق الإنسان لسنة 2025، تستمر هذه الفجوات والتحديات في التأثير على حياة المواطنين، إذ تم رصد انتهاكات متعددة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى تقييد الحريات الأساسية، خاصة حرية التعبير والعمل النقابي. ودعا التقرير إلى ضرورة إرادة سياسية قوية لإصلاح الإطار التشريعي والتنفيذي، مع تخصيص موارد مالية كافية، وضمان إدماج بُعد حقوق الإنسان في السياسات العمومية، إلى جانب تعزيز الشفافية والمساءلة وإشراك المجتمع المدني في صنع القرار (مركز عدالة لحقوق الإنسان – تقرير رصد أوضاع حقوق الإنسان في المغرب – الرباط – مركز عدالة – 2025 – ص. 12-20)[2].
تجدر الإشارة إلى أن المغرب، على غرار دول أخرى في المنطقة، يواجه تحديات مشتركة في تفعيل هذه الحقوق. فعلى سبيل المثال، نجحت بعض الدول في دمج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في خطط التنمية الوطنية عبر استراتيجيات واضحة وممولة جيدا، مع مراقبة مستقلة لضمان التنفيذ الفعلي. يمكن للمغرب الاستفادة من هذه التجارب لتجاوز العقبات الحالية.
لتحقيق الفعلية في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، يرى مركز عدالة أن الإصلاحات يجب أن تكون عميقة وشاملة على المستويين التشريعي والتنفيذي، وتشمل :
– مراجعة القوانين التي تعيق حرية العمل النقابي وتقييد المصادقة على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
– تخصيص موارد مالية كافية ومستدامة لدعم البرامج الاجتماعية.
– دمج أبعاد حقوق الإنسان في جميع السياسات العمومية.
– تعزيز الحكامة الجيدة، الشفافية، والمساءلة.
– إشراك المجتمع المدني والفاعلين المحليين في تصميم وتنفيذ السياسات لضمان تلبيتها لاحتياجات الفئات المستهدفة.
تعتبر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية أساسًا لكرامة الإنسان وعيش حياة كريمة، وتشمل حق الغذاء، السكن اللائق، التعليم، الصحة، الضمان الاجتماعي، والتمتع ببيئة نظيفة. إن تعزيز هذه الحقوق يساهم في بناء مجتمع متماسك، يقلل من الفوارق الاجتماعية، ويعزز التنمية المستدامة (الأمم المتحدة – العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية – نيويورك – الأمم المتحدة – 1966 – المواد 11-15)[3].
في استجواب صحفي لحسن اليوسفي بموقع “مغرب أنباء” 2025، أكد على أن ضعف الإرادة السياسية وعدم تخصيص الموارد الكافية هما من أبرز العوائق التي تحول دون تفعيل هذه الحقوق بشكل فعلي. كما أشار إلى أهمية إشراك الشباب والنساء والفئات المهمشة في صياغة السياسات لضمان شموليتها ونجاحها (اليوسفي حسن – “استجواب صحفي” – مغرب أنباء – 2025)[4].
في ظل هذه التحديات، يظل تعزيز الفعلية والالتزام السياسي بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية في المغرب ضرورة ملحة. إن الدعوة التي يطلقها مركز عدالة لحقوق الإنسان للإصلاحات التشريعية والتنفيذية الشاملة تمثل خارطة طريق واضحة لتحقيق هذه الأهداف النبيلة. ولتحقيق ذلك، يجب أن تتضافر جهود الدولة، المجتمع المدني، والفاعلين كافة، لضمان أن تصبح هذه الحقوق واقعًا ملموسًا ينعكس إيجابًا على حياة جميع المواطنين، ويعزز مكانة المغرب كدولة تحترم حقوق الإنسان وتلتزم بها بكل جدية ومسؤولية.
المصادر
[1] المملكة المغربية – دستور المملكة المغربية – الرباط – وزارة العدل المغربية – 2011 – الفصل 31.
[2] مركز عدالة لحقوق الإنسان – تقرير رصد أوضاع حقوق الإنسان في المغرب – الرباط – مركز عدالة – 2025 – ص. 12-20.
[3] الأمم المتحدة – العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية – نيويورك – الأمم المتحدة – 1966 – المواد 11-15.
[4] اليوسفي، حسن – “استجواب صحفي” – مغرب أنباء – 2025.